الحريق... من منّا لم يفكر سابقاً ماذا يفعل في حالة نشوب حريق واشتعال النيران في المنزل، باعتقادي، فإن معظمنا قد فكّر بالفعل بهذا الموضوع. تعد الحرائق أحد أخطر الأشياء التي يمكن أن تواجهها داخل بيئة المنزل، وأسباب حدوثها لا حصر لها، فقد تكون نتيجة التماس كهربائي، تسرب للغاز أو حتى شمعة موقدة! إذا لم يتم التعامل معها بحذر وخبرة، فسوف تتسبب النار بأضرار جسيمة وبالغة من فقدان للممتلكات والأشياء الثمينة، أو الإصابات البالغة أو حتى فقدان للأرواح لا قدّر الله.
بحكم طبيعة عملي، فإنّي أقطن داخل أحد شقق الأبراج العالية بإحدى الدول الخليجية. كنت استعد لصيام يوم عرفة، وأحضر برنامج ترفيهي لنفسي لقضائه مع أصدقائي خلال فترة إجازة عيد الأضحى المبارك، خصوصًا وأن عائلتي وأطفالي سافروا إلى الأردن لقضاء إجازة الصيف هناك.
في تلك الليلة، وبعد يوم عملٍ مرهق، عدت للبيت وجهزت نفسي لسهرة طويلة حتّى أذان الفجر من أجل صيام يوم عرفة. حضرت كل ما يلزم من مكسرات وقهوة، وأعددت زاوية الجلوس المناسبة أمام التلفاز وبدأت بالبحث عن فيلم لأتباعه، وبالفعل، اخترت الفيلم وبدأت بمشاهدته بحلول الساعة 10:30 مساءاً. ما أذكره خلال تلك الفترة، أن الفيلم كان ممتعاً ومشوقاً، وشدّني لمشاهدته بالرغم من سماعي لجهاز إنذار الحريق، حسناً، إنه يعمل كثيرًا داخل البرج ثم ينطفئ بعد فترة من الزمن، فلم ألقِ له بالاً على الإطلاق. بالفعل، انطفئ جهاز إنذار الحريق بعد عدّة دقائق وما لبث أن اشتغل مرةً أخرى، لكن هذه المرّة استمر لفترة طويلة، بالرغم من ذلك، لم يحرك ذلك بي ساكناً. بقيت مكاني بنفس الزاوية، أتناول المكسرات وأحتسي القهوة وأتابع الفيلم، وأقول لنفسي، متى سوف ينطفئ هذا الجهاز اللعين، فقد أزعجني حقاً وبدأت استفز من صوته العالي.
لم يخطر ببالي أبدًا خلال تلك الفترة بأنه ربما قد يكون هناك حريقاً بالفعل، لم أتزحزح أبداً. استمر ذلك لمدة دقائق أخرى، وأنا لازلت مصمماً على موقفي، لن أتحرك وسوف ينطفئ من تلقاء نفسه، وأثناء تفكيري بذلك، سمعت صوت إزعاج شديد صادر من الطابق الذي فوقي، قلت لنفسي، هؤلاء الجيران المزعجون كالعادة يقومون ببعض الإصلاحات، بالرغم من أن الساعة كانت تؤشر على 11:30 مساءاً! ثم بعد ذلك بلحظات، سمعت صوت ضجيج صادر من الخارج وضجيج في ممر الطابق الذي أسكن فيه. تعتقدون أنني اقتنعت أخيرًا لتفقد ما يحدث؟ أبداً، بقيت مكاني ومصمم على إكمال الفيلم، لا أعلم من أين جاء كل هذا البرود داخلي! في هذه اللحظات، قررت أن أتخذ موقفًا صارمًا، أمسكت ريموت التلفاز وخفضت صوت الفيلم لأسمع بوضوح ماذا يجري بالخارج. أبشركم، لم أتحرك حتّى سمعت صوت سيارات الشرطة والإسعاف، فقلت لنفسي هناك بالتأكيد حادث ما بالخارج وأنا لا أعلم ما الذي يجري. قمت بتحليل الأمور داخل رأسي خلال عدة ثوانٍ، صوت جهاز إنذار الحريق، ثم ضجيج من الأعلى و في الطابق الذي أسكن فيه، وصوت سيارات الشرطة والإطفاء، الأمر غريب بعض الشيء، يبدو أن هذا هو الوقت المناسب لأوقف الفيلم قليلاً وأنظر إلى الشرفة لتفقد ما يحدث.
فتحت باب الشرفة أخيراً، ونظرت للأسفل مباشرةً، وجدت بعض سيارات الإسعاف والشرطة والإطفاء، والناس تجمهروا وأعينهم باتجاه البرج الذي أسكن فيه. نظرت إلى يساري فلم أجد شيئاً، وهممت بالدخول لإكمال الفيلم قبل أن أنظر مجبراً للجهة اليمنى، لأجد ناراً مستعرة، البرج الذي أنا فيه يشتعل، والواضح أنّي آخر من يعلم!
لم استطع تمالك نفسي، فقد كنت شاهداً على احتراق أحد الأبراج قبل عدّة سنوات وشاهدت بعيني سرعة انتشار الحريق ليلتهم البرج بأكمله وبعض الأبراج من حوله. ركضت مسرعاً إلى باب الشقة للخروج، وأخذت بيدي الهاتف، المحفظة و بطاقة الدخول إلى مكان عملي. خرجت إلى الممر ولم أجد أحداً، وبالطبع المصاعد لا تعمل بحالة وجود حريق، لذلك اتجهت نحو الدرج مباشرةً. تذكرت أن جاراً لي أخبرني قبل فترة بأنه وعائلته لا يمكنهم السهر طويلاً، لا أنكر أنني كنت أشعر بالذعر حينها، لكني تمالكت نفسي وعدت إليه وطرقت بابه وقرعت جرسه حتى استيقظ من نومه وساعدته بحمل أبنائه للهروب. كان الدرج مزدحماً، وصوت بكاء الأطفال يدمي القلب، ولهفة الآباء على عائلاتهم كانت جليّة في تلك اللحظة، ناهيك عن رائحة الدخان الخانقة، وقتها، حمدت الله أن عائلتي قد سافروا قبل عدة أيام من هذا الحادث ولم يعيشوا معي تلك اللحظة المرعبة.
بعد نزولي 11 طابقاً (بالإضافة إلى عدّة طوابق لمواقف السيارات)، وصلنا أخيراً إلى الطابق الأرضي وخرجنا مسرعين إلى منطقة التجمع ثم أبعدتنا قوات الأمن إلى مكان أكثر أمنًا وسلامةً. رفعت رأسي لأشاهد ما يحدث، وقلت بداخلي، الحمدلله الذي أنجانا من هذا! كانت النار قد بدأت بالفعل بالتهام البرج من الأعلى إلى الأسفل، كان الموقف مهيباً ومرعباً بنفس الوقت، والحرارة كانت عالية جدًا بالخارج، الأطفال والنساء والشيوخ مرهقين من النزول السريع، لا أدري إن كان تعبهم من نزول الدرج أم من هول منظر الحريق والنار المشتعلة.
القصة طويلة جداً، واستمرت آثارها ومعناتها لعدة أشهر حتى تمكنّا من الاستقرار، لكنّي سأكتفي بهذا القدر من السرد. لكن، هناك عدّة دروس عايشتها بنفسي وودت لو أن أحداً نبهني لها من قبل. لذلك، سأقوم بباقي هذا المقال بطرح عدّة أمور يجب الانتباه لها.
كيف تتصرف في حالة الحريق
قم بطرح هذه الأسئلة، هل أنت جاهز للتصرف في حالة وقوعك في مصيبة ما لا قدّر الله؟ كيف ستتعامل في حالة نشوب حريق؟ ما هي الطريقة الأنسب للخروج من المنزل؟ هل تملك الخبرة الكافية لإطفاء النار؟
يجب أن تعلم أن أي أحد منّا قد يمر بمثل تجربتي المروعة تلك، بعدها، خطر في ذهني العديد من الأمور التي كنت غافلاً عنها، لذلك سوف أطرح لكم بعض النصائح التي من الممكن أن تفيدكم حال تعرضكم لحريق في المنزل لا قدّر الله.
قم بحماية ممتلكاتك الثمينة
أهم خطوة يجب البدء منها هي حفظ وتأمين ممتلكاتك الثمينة والأوراق الهامة. قم بوضعها جميعاً داخل حقيبة ويُفضّل أن تكون مقاومة للنار، أو مقاومة للماء على الأقل. بعد يومين من انتهاء الحريق في منزلي تم السماح لنا بالدخول لتفقد الأضرار ومعاينتها، وجدت أن العديد من الأوراق الهامة قد أتلفت بسبب الماء، مما تطلب مني عدّة زيارات للهيئات الحكومية وإثباتات كثيرة لإصدار بدل فاقد منها.
ضع الحقيبة في مكان آمن وفي نفس الوقت سهل الوصول إليه، وخذها معك مباشرة وقت حدوث الكارثة، وكما يقال، الوقاية خيرٌ من العلاج.
لا تقف وتتحسّر
عندما نزلت للأسفل ورأيت كيف بدأت النار بالتهام البرج، لم أقف طويلاً لأندب حظي، بل اتصلت بابن عمّي الذي يبعد عن مكان سكني عدّة دقائق وأمضيت الليلة عنده وعدت عند الفجر بعد تأكيد السلطات سيطرتهم على الوضع.
وقوفك لمشاهدة الحريق سيزيد من التعب النفسي عليك وتبدأ العديد من الأفكار الغير صحيّة بالتسلل إلى تفكيرك، وهو ما سيزيد معاناتك ويرهقك نفسياً وجسدياً، لذلك ابتعد ولا تقف لتنظر ما يجري حولك فأنت تعلم أنّه ليس بإمكانك فعل شيء. عندما علم بعض معارفي أنّي تركت المكان وذهبت لابن عمّي لاموني على ذلك و عاتبوني. عندها سألتهم، ما الذي يُمكنني فعله هناك؟ كان رد الجميع هو "ابقى لتنظر ما سيحدث"، هذا هو بالضبط ما لم أكن أريده! لم أُرد الوقوف ومشاهدة بيتي ينحرق.
لا تتوجه للمصاعد
لا يُنصح أبداً باستخدام المصعد وقت حدوث الكوارث، سواء كانت زلازل أو حريق أو رياح شديدة، وذلك بسبب أنه قد تنقطع الحبال التي تربط المصعد أو يتعطّل نظام المكابح أو يحدث خلل ما في المصعد وتعلق بداخله، وبذلك تزيد مخاطر تعرضك للأذى، كما أنك ستصعب المهمّة على رجال الإنقاذ لإخراجك. أسهل طريقة للخروج هي الدرج. مهما كانت المسافة التي ستقطعها على الدرج، تبقى هي الأفضل لك للوصول إلى بر الأمان بسلام.
الخبر الجيد أن المصاعد غالباً ما تتوقف عن العمل من تلقاء نفسها بمجرد تفعيل منظومة الإنذار، لذلك، لا تضيع المزيد من الوقت، فأنت بحاجة كل دقيقة للهروب، واتجه نحو الدرج مباشرة دون التفكير بالمصعد.
كن هادئًا
الموقف ليس سهلاً، أعلم ذلك جيداً فقد مررت به عدّة مرات بالفعل، آخرها كان أثناء كتابتي لهذا المقال. حدثت عاصفة رعدية هائلة ورياح عاتية حطمت الزجاج في المبنى، مما أدّى لتفعيل منظومة الإنذار في البرج، قلت في نفسي، حسناً هذا ليس جديداً، أخذت أغراضي وحقيبتي بكل هدوء، استغرق مني الأمر أقل من 10 ثوانٍ، ثم خرجت من الشقة وتوجهت نحو الدرج. رأيت العديد من الأشخاص والعاملين في البرج باضطراب تام يذهبون ويجيؤون ولا يعلمون أين يهربوا. أمسكت أحدهم وتبسمّت، وقلت له أن الدرج من هذا الاتجاه، لم ينطق بكلمة، تركني وركض هناك مباشرةً.
عند الشعور بالذعر، تتفعّل منظومة الإنذار في دماغك أيضاً، ويبدأ بإصدار أوامر لتأمين نفسك، لكن معظمها بلا فائدة. عند حدوث الحريق السابق، ركضت باتجاه الباب، لكن دماغي أصدر لي أمراً بالرجوع وإغلاق التلفاز، وهو ما اعتدت فعله يومياً عند ترك المنزل. بالتأكيد لم يكن هدفي أن أتابع الفيلم لاحقاً، لكن التشويش الذي حصل للدماغ هو ما أدّى إلى ذلك. يضطرب الدماغ و يصدر العديد من الأوامر في محاولةٍ منه لاستدراك المواقف، في حالة الحريق، استوعب دماغي أن هناك كارثة تحصل لذلك يتوجب علي إخلاء المنزل بسرعة كبيرة، وعند وصولي إلى الباب، أبلغني دماغي بأني أترك المنزل ولا زال التلفاز يعمل، فأصدر أمراً آخراً لإطفائه، وهو ما اعتاد على فعله يومياً، متناسياً أن الكهرباء ستنقطع من تلقاء نفسها بعد عدّة دقائق بسبب تفعيل منظومة الإنذار.
الهدوء في تلك المواقف سيوفر عليك الجهد والوقت أكثر من أن تتصرف بسرعة كبيرة جداً، فأنت بذلك ترهق نفسك، وتزيد من معدّل نبضات القلب، وتصاب بنوبة من الهلع، والنتيجة أنّك خسرت بعض الوقت للهروب بينما أنت تسعى للهروب بأسرع وقت ممكن.
خذ قسطاً من الراحة
كما قلت سابقاً، تلك الموقف ليست هيّنة أبداً وتتطلب منك اجراءات سريعة وهادئة بنفس الوقت. لكن بعد أن وصلت إلى بر الأمان، يجب أن تبدأ بالتفكير أين تتوجه. إذا كان لديك بيت آخر، فلا تحتاج أن أخبرك أين تذهب. قد تضطر لحجز ليلتين مبدئياً في فندق، حتى لو لم يتضرر منزلك من الداخل، فإن رائحة الدخان تكون قوية جداً وتتطلب يومين أو ثلاثة على أقل تقدير لتخف حدّتها. بإمكانك أيضاً التنسيق مع أحد أقاربك أو أصدقائك ليستضيفوك مؤقتاً حتّى تعيد ترتيب أمورك. عادةً في تلك المواقف، تتكفّل الدولة والجهات المعنية بتأمين مبيت للناس ولو بشكل مؤقت حتى يتداركوا أمورهم ويرتبوا أولوياتهم.
أياً كانت وجهتك، استعر بعض الملابس النظيفة أو قم بشراء بعضها، ثم توجه مباشرة إلى الحمام واستمتع بحمام ماء دافئ. اخرج و ضع بضعاً من العطور الخفيفة، الرائحة الجيدة بعد تلك المواقف تهدئ الأعصاب وتذكرك أنك لازلت بخير وهذا ما يهم.
تفكيرك الزائد بما حدث لن يغير من الأمر شيئاً، قم بترتيب اختياراتك، بداية من ترتيب أمور عائلتك ثم توجه تفكيرك إلى منزلك.
Comments