"سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ" (سورة فصّلت:53).
بناءً على هذه الآية القرآنية، فإن الله سبحانه وتعالى يحثّ المسلمين على مراقبة الكون ودراسته ليجدوا بعض آياته و تدبر الإعجاز العلمي في القرآن. لهذا السبب تدعو العديد من آيات القرآن الكريم المسلمين لدراسة الطبيعة والبحث عن العلم، وهنا تتجلّى عظمة الخالق عزّ وجلّ في تحدي الناس أجمعين. لقد تم التأكيد مرارًا وتكرارًا على أهمية طلب العلم في القرآن الكريم مع الوصايا المتكررة، مثل "يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ" (المجادلة:11) ، "قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ۗ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ"، توفّر مثل هذه الآيات القرآنية حافزًا قويًا للمجتمع الإسلامي للسعي من أجل التعليم والمعرفة ودراسة الإعجاز العلمي في القرآن الكريم.
13 صورة من الإعجاز العلمي في القرآن
هنالك ما يقارب 700 آية في القرآن الكريم تتحدث بشكل خاص عن الظواهر الطبيعية، وتم درارسة ومعرفة تلك الظواهر مؤخراً، مما يعني أن هناك انسجامًا تامًا بين آيات الله في الطبيعة، مثبتة علميًا، وكلماته في القرآن الكريم. وبالفعل فإن القرآن الذي نزل قبل أربعة عشر قرناً ذكر حقائق علمية اكتشفت حديثاً فقط. نسرُد وإياكم بعض الحقائق العلمية العديدة الموجودة في القرآن…
الاعجاز العلمي القرآني في الماء
نزلت في سورة الأنبياء: "وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ " (الآية 30). فقط بعد اختراع المجهر، اكتُشِف أنّ جميع الكائنات الحية تتكون في الغالب من الماء، وهذا إعجاز علمي صارخ، حيث أنّ آخر شيء ممكن أن يتوقعه شخص يعيش في قلب الصحراء العربية هو أن الحياة كلّها جاءت من الماء.
الاعجاز العلمي القرآني في نظرية الانفجار العظيم
أيضاً في سورة الأنبياء وفي نفس الآية السابقة، قال الله تعالى: "أَوَلَمْ يَرَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ أَنَّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَٰهُمَا" (الآية 30). في عام 1929، طرَحَ عالم الفلك الأمريكي إدوين هابل "قانون هابل"، والذي ينصّ بتحرّك جميع الأشياء في الفضاء بعيدًا عن الأرض بسرعات تتناسب مع المسافة بينها، أي كلّما زادت المسافة عن الأرض، زادت سرعة حركتها. بعد ذلك بفترة وجيزة، اكتشف أن المجرات تبتعد أيضًا عن بعضها البعض، مما يعني أن الكون يتوسّع بشكل عام.
كان هذا هو حجر الأساس لنظريّة الانفجار العظيم، التي تنص على أنه منذ حوالي 12-15 مليار سنة نشأ الكون من ذرّة واحدة شديدة الحرارة والكثافة ، وبسبب انفجار هذه الذرّة نشأ الكون. منذ ذلك الحين ، كان الكون يتمدد من هذه الذرّة الواحدة. في عام 1965 ، فاز عالما الفلك أرنو بينزياس وروبرت ويلسون بجائزة نوبل، لاكتشافهما الذي أكد نظرية الانفجار العظيم. عند النظر إلى الآية المذكورة أعلاه، يكون من المدهش أن القرآن قد ذكر ذلك الأمر قبل أكثر من 1400 عام.
الاعجاز العلمي القرآني في نظرية الأزمة الكُبرى Big Crunch
مرة أخرى، في سورة الأنبياء، يقول الله تعالى: "يَوْمَ نَطْوِى ٱلسَّمَآءَ كَطَىِّ ٱلسِّجِلِّ لِلْكُتُبِ ۚ كَمَا بَدَأْنَآ أَوَّلَ خَلْقٍۢ نُّعِيدُهُ" (الآية 104). يتناسب هذا مع نظرية الأزمة الكبرى Big Crunch، وهي تماماً عكس نظرية الانفجار العظيم، والتي تتحدث عن كيفية سحب الكون مرة أخرى إلى الثقوب السوداء لينكمش في ذرّة مرّة أخرى.
تعد نظريّة الأزمة الكبرى Big Crunch أحد السيناريوهات التي تنبأ بها العلماء والتي قد ينتهي فيها الكون. تمامًا مثل العديد من النظريات الأخرى، فهي تتمحور حول نظرية آينشتاين (النسبية)، بمعنى أنّه إذا كان الانفجار العظيم يَصِف كيف بدأ الكون على الأرجح، فإن الأزمة الكبرى تصف كيف سينتهي كنتيجة لتلك البداية، وهذا من صور الإعجاز العلمي في القرآن الذي وصف هذه النظريّة تماماً وبشكل متقن ومختصر.
الاعجاز العلمي القرآني في علم الأجنة
في سورة المؤمنون قال الله تعالى: "وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنسان مِن سلالة مِّن طِينٍ* ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً في قَرَارٍ مَّكِينٍ* ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَاماً فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْماً ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الخالقين* ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذلِكَ لَمَيِّتُونَ* ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ*".
تعد هذه الآيات من أعظم صور الإعجاز العلمي في القرآن، حيث أثبت العلم الحديث هذه المراحل لتكوين وخلق الإنسان فقط بمساعدة أحدث التقنيات المُخترعة مؤخّراً. لقد قال البروفيسور كيث إل مور، أحد أشهر العلماء في العالم في مجالات علم التشريح وعلم الأجنّة، "من الواضح لي أن هذه الآيات لابد أن تكون قد جاءت لمحمد من عند الله، لأنّ تلك المراحل لم يتم اكتشافها إلا بعد قرون عديدة".
الاعجاز العلمي القرآني في حماية السماء
نعود إلى سورة الأنبياء، حيث قال الله تعالى: "وَجَعَلْنَا ٱلسَّمَآءَ سَقْفًا مَّحْفُوظًا ۖ وَهُمْ عَنْ ءَايَٰتِهَا مُعْرِضُونَ".
من رحمة الله بنا، أنّه خصّص حمايةً خاصّة لنا في السماء، وهذه أيضاً حقيقة علمية وصورة من صور الإعجاز العلمي في القرآن، حيث أن السماء بكل غازاتها تحمي الأرض والحياة الموجودة عليها من أشعة الشمس الضارة. إذا لم تكن هناك طبقة واقية، فستتوقف الحياة على الأرض مباشرةً، لأن درجة الحرارة على الأرض ستتجمد عند -270.556 درجة مئوية، وهي نفس درجة الحرارة في الفضاء.
الاعجاز العلمي القرآني في الحديد داخل النيازك
ورد في سورة الحديد ما يلي: "وَأَنزَلْنَا ٱلْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ".
سورة كاملة في القرآن الكريم أنزلها تبارك وتعالى سُميت بسورة الحديد، لما فيه من معجزات ومنافع جمّة للبشريّة. وفقًا لـ M.E. Walrath، فإن الحديد ليس موجوداً بشكل طبيعي على الأرض. يقول العلماء أنه منذ بلايين السنين، ضربت النيازك الأرض، وكان الحديد موجودًا داخل هذه النيازك، وبسبب قوّة الارتطام و الانفجار على الأرض، تشكّل الحديد على الأرض بفعل هذه النيازك. اعجاز علمي اخر في القرآن أبلغنا الله عنه قبل 1400 عام بقوله "وَأَنزَلْنَا" ، التي تنصّ وبوضوح على أنّ الحديد لم يكن موجوداً، بل نَزَل من السماء.
الاعجاز العلمي القرآني في البحار
جاء في سورة الرحمن قوله تعالى: "مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ * بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لا يَبْغِيَانِ" (الآيات 19-20). اكتشف العلم أنه في الأماكن التي يلتقي فيها بحران مختلفان، يوجد حاجز يفصل بينهما مما يساعد كلاً من البحار في الحفاظ على درجة حرارتها وملوحتها وكثافتها.
الشمس تتحرك في المدار
جاء في سورة الأنبياء: "وَهُوَ ٱلَّذِى خَلَقَ ٱلَّيْلَ وَٱلنَّهَارَ وَٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ ۖ كُلٌّ فِى فَلَكٍۢ يَسْبَحُونَ"(33).
بالرغم من أنه كان مجرد اعتقاد شائع في القرن العشرين بين علماء الفلك، إلا أنّه من الحقائق العلميّ الراسخة اليوم أن الشمس والقمر وجميع الأجسام الأخرى في الكون تتحرك في مدار وتتحرك باستمرار، وليست ثابتة كما كان يُعتقد من قبل.
الاعجاز العلمي القرآني في الجبال
قال الله تعالى في سورة النبأ: "وَالْجِبَالَ أَوْتَاداً" (آية-7).
في كتاب للجيوفيزيائي فرانك برس بعنوان "الأرض" (1986)، يشرح فيه كيف أنّ الجبال تُشبه الأوتاد وأنّها مدفونة في أعماق سطح الأرض. جبل إيفرست -على سبيل المثال- الذي يبلغ ارتفاعه حوالي 9 كيلومترات فوق مستوى سطح البحر؛ له جذور أعمق من 125 كيلومترًا - مما يعزز فقط الوحي القرآني لأهمية وقوة الجبال على أرضنا، وأحد أدلّة الإعجاز العلمي في القرآن.
الإعجاز القرآني في مستقبلات الألم
جاء في سورة النساء أنه "إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا"(الآية-56).
لفترة طويلة كان يُعتقد أن الشعور والألم يعتمدان على الدماغ. هذا صحيح تمتماً ، إلّا أنّه تم إثبات وجود مستقبلات الألم في الجلد والتي بدورها تُرسل الإشارات إلى الدماغ. بدون هذه المستقبلات، لن يكون الإنسان قادرًا على الشعور بالألم، وهذا أيضاً مثال آخر للإعجاز العلمي للقرآن الكريم.
الأمواج الداخلية في المحيطات
في سورة النور أنزل الله تعالى: "أَوْ كَظُلُمَٰتٍۢ فِى بَحْرٍۢ لُّجِّىٍّۢ يَغْشَىٰهُ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِۦ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِۦ سَحَابٌ ۚ ظُلُمَٰتٌۢ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَآ أَخْرَجَ يَدَهُۥ لَمْ يَكَدْ يَرَىٰهَا ۗ وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ ٱللَّهُ لَهُۥ نُورًا فَمَا لَهُۥ مِن نُّورٍ".
من غير الممكن أبداً ولا بأي شكل من الأشكال أن يتم معرفة هذه المعلومة قبل زمننا هذا. ذكر علماء المحيطات أنه على عكس الاعتقاد بأن الموجات تحدث فقط على السطح، هناك موجات تحدث داخليًا في أعماق المحيطات، تحت سطح الماء و غير مرئية للعين البشرية، ومن المستحيل اكتشافها إلا من خلال معدات خاصة.
الإعجاز القرآني في الفص الجبهي
في سورة العلق، في الآيات التي وجهها الله سبحانه وتعالى إلى أبو جهل لتحذيره، يقول عز وجل "كَلَّا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعَنْ بِالنَّاصِيَةِ(15) نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ(16)".
وفقًا لكتاب بعنوان "أساسيات علم التشريح وعلم وظائف الأعضاء"، فقد ورد بوضوح أن الجبهة أو المنطقة الأمامية من الدماغ هي المسؤولة عن التحفيز والبصيرة للتخطيط والبدء في الحركات. كل هذا يحدث في منطقة الفص الجبهي من الدماغ. كما أثبتت دراسات أخرى أن منطقة الفص الجبهي هي المسؤولة عن وظيفة الكذب.
أظهرت دراسة أخرى في جامعة بنسلفانيا، حيث تم استجواب المتطوعين أثناء استجواب إلكتروني، قد لوحظ أن النشاط الدماغي في القشرة الأمامية للجبهة قد زاد بشكل واضح.
استعرضنا وإياكم غيضٌ من فيض الإعجاز العلمي في القرآن، الحقائق التي ناقشناها في الأعلى جميعها قد تم التحقق منّها واثباتها علمياً، وهذا من معجزات القرآن الكريم والإعجاز العلمي في القرآن التي ظهرت قبل 1400 عام. رغم كل ذلك، يقول الله عز وجل "وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً"، وهذه آية أخرى موجزة تلخص لنا رغم كل التطور الذي نراه في زمننا هذا، إلا أنّه لا تزال الكثير من الأمر الكونية مبهمة، ولا نستطيع أن نحصي الآيات الكونية ومعجزاتها في القرآن الكريم.
المراجع
Comments